كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المرط الكساء والمرحل بالحاء المنقوش عليه صور الرجال، وبالجيم المنقوش عليه صور الرجال، عن أم سلمة قالت: «إن هذه الآية نزلت في بيتها، {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرًا} قالت وأنا جالسة عند الباب فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت فقال: إنك إلى خير أنت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين فجللهم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنه الرجس وطهرهم تطهيرًا» أخرجه الترمذي.
وقال حديث صحيح غريب عن أنس بن مالك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر، إذا خرج إلى صلاة الفجر يقولالصلاة يا أهل البيت إنما يريد لله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيرًا» أخرجه الترمذي.
وقال حديث حسن غريب وقال زيد بن أرقم أهل البيت من حرم الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
قوله تعالى: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله} يعني القرآن {والحكمة} قيل هي السنة السنة وقيل هي أحكام القرآن ومواعظه {إن الله كان لطيفًا} يعني بأوليائه وأهل طاعته {خبيرًا} أي بجيمع خلقه.
قوله: {إن المسلمين والمسلمات} الآية وذلك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن، ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير تذكر به إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة فأنزل الله هذه الآية.
عن أم عمارة الأنصارية قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت مالي أرى كل شيء إلى الرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت {إن المسلمين والمسلمات} أخرجه الترمذي.
وقال حديث غريب وقيل إن إم سلمة بنت أبي أمية وأنيسة بنت كعب الأنصارية قالتا للنبي صلى الله عليه وسلم ما بال ربنا يذكر الرجال، ولا يذكر النساء في شيء في كتابه ونخشى أن لا يكون فيهن خير فنزلت هذه الآية وروي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، فدخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت هل نزل فينا شيء من القرآن قلن لا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إن النساء لفي خيبة وخسار قال: «ومم ذلك» قالت لأنهن لم يذكرن بخير كما ذكر الرجال فأنزل الله إن المسلمين والمسلمات فذكر لهن عشر مراتب مع الرجال، فمدحهن بها معهم الأولى والإسلام وهو الانقياد لأمر الله تعالى وهو قوله: إن المسلمين والمسلمات، الثانية الإيمان بما يراد به أمر الله تعالى وهو تصحيح الاعتقاد وموافقة الظاهر للباطن، وهو قوله: {والمؤمنين والمؤمنات} الثالثة الطاعة وهو قوله: {والقانتين والقانتات} الرابعة الصدق في الأقوال والأفعال وهو قوله: {والصادقين والصادقات} الخامسة الصبر على ما أمر الله وفيما ساء وسر وهو قوله: {والصابرين والصابرات} السادسة الخشوع في الصلاة وهو أن لا يلتفت وقيل: هو التواضع وهو قوله: {والخاشعين والخاشعات} السابعة الصدقة مما رزق الله وهو قوله: {والمتصدقين والمتصدقات} الثامنة المحافظة على الصوم وهو قوله: {والصائمين والصائمات} التاسعة العفة وهو قوله: {والحافظين فروجهم} يعني عما لا يحل {والحافظات} العاشرة كثرة الذكر وهو قوله: {والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات} وقيل لا يكون العبد منهم حتى يذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا، وروي عن النبي صلى الله عليه سلم أنه قال: «سبق المفردون قالوا: يا رسول الله وما المفردون قال الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات» وقال عطاء بن أبي رباح من فوّض أمره إلى الله، فهو داخل في قوله إن المسلمين والمسلمات ومن أقر بأن الله ربه ومحمدًا رسوله، ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل في قوله والمؤمنين والمؤمنات ومن أطاع الله في الفرض والرسول في السنة، فهو داخل في قوله والقانتين والقانتات، ومن صان قوله عن الكذب، فهو داخل في قوله والصادقين والصادقات، ومن صبر على الطاعة وعن المعصية وعلى الرزية، فهو داخل في قوله الصابرين والصابرات، ومن صلى، فلم يعرف من عن يمينه وعن شماله، فهو داخل في قوله والخاشعين والخاشعات ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم، فهو داخل في قوله والمتصدقين والمتصدقات ومن صام في كل شهر أيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو داخل في قوله والصائمين والصائمات، ومن حفظ فرجه عما لا يحل فهو داخل في قوله والحافظين فروجهم والحافظات ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات {أعد الله لهم مغفرة} أي بمحو ذنوبهم {وأجرًا عظيمًا} يعني الجنة.
قوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} نزلت هذه الآية في زينب بنت جحش الأسدية وأخيها عبد الله بن جحش، وأمهما أمية بن عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب زينب لمولاه زيد بن حارثة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى زيدًا في الجاهلية بعكاظ وأعتقه، وتبناه، فلما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضيت وظنت أنه يخطبها لنفسه فلما علمت أنه يخطبها لزيد بن حارثة أبت وقالت: أنا ابنة عمتك يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي، وكانت بيضاء جميلة وفيها حدة وكذلك كره أخوها ذلك فأنزل الله: {وما كان لمؤمن} يعني عبد الله بن جحش {ولا مؤمنة} يعني أخته زينب {إذا قضى الله ورسوله أمرًا} يعني نكاح زيد لزينب {أن تكون لهم الخيرة من أمرهم} أي الاختيار على ما قضى، والمعنى أن يريد غير ما أراد الله أو يمتنع مما أمر الله ورسوله به {ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبينًا} أي أخطأ خطأ ظاهرًا فلما سمعت بذلك زينب وأخوها رضيا وسلما وجعلت أمرها بيد رسول الله صلى الله عليه سلم، فأنكحها زيدًا ودخل بها وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما عشرة دنانير وستين درهمًا وخمارًا، ودرعًا وملحفة وخمسين مدًا من طعام وثلاثين صاعًا من تمر.
قوله: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك} الآية نزلت في زينب، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجها من زيد مكثت عنده حينًا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زيدًا ذات يوم لحاجة فأبصر زينب في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة، ذات خلق من أتم نساء قريش وقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال: «سبحان الله مقلب القلوب وانصرف فلما جاء زيد ذكرت له ذلك ففطن زيد وألقى في نفسه كراهيتها في الوقت وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي فقال له مالك أرابك منها شيء قال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرًا ولكنها تتعظم علي بشرفها وتؤذيني بلسانها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك واتق الله في أمرها» ثم إن زيدًا طلقها فذلك قوله: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه} أي بالإسلام {وأنعمت عليه} أي بالإعتاق وهو زيد بن حارثة مولاه {أمسك عليك زوجك} يعني زينب بن جحش {واتق الله} أي فيها ولا تفارقها {وتخفي في نفسك} أي تسر وتضمر في نفسك {ما الله مبديه} أي مظهره قيل كان في قلبه لو فارقها تزوجها قال ابن عباس: حبها وقيل ود أنه طلقها {وتخشى الناس} قال ابن عباس تستحييهم وقيل تخاف لائمتهم أن يقولوا أمر رجلًا بطلاق امرأته ثم نكحها {والله أحق أن تخشاه} قال عمر وابن مسعود وعائشة: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد من هذه الآية، وعن عائشة قالت: لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من الوحي لكتم هذه الآية: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه} أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن غريب.
فصل:
فإن قلت: ما ذكروه في تفسير هذه الآية، وسبب نزولها من وقوع محبتها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم عندما رآها وإرادته طلاق زيد لها فيه أعظم الحرج، وما لا يليق بمنصبه صلى الله عليه وسلم من مد عينيه لما نهى عنه من زهرة الحياة الدنيا.
قلت: هذا إقدام عظيم من قائله وقلة معرفة بحق النبي صلى الله عليه وسلم وبفضله وكيف يقال رآها فأعجبته وهي بنت عمته ولم يزل يراها منذ ولدت ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم وهو زوجها لزيد، فلا يشك في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يأمر زيدًا بإمساكها، وهو يحب تطليقه إياها ذكر عن جماعة من المفسرين.
وأصح ما في هذا الباب ما روي عن سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال: سألني زين العابدين بن علي بن الحسين قال ما يقول الحسن في قوله تعالى: {وتخفي في نفسك ما لله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} قلت: يقول لما جاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني إريد أن أطلق زينب أعجبه ذلك، وقال أمسك عليك زوجك واتق الله فقال علي بن الحسين ليس كذلك فإن الله قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدًا سيطلقها فلما جاء زيد قال: إني أريد أن أطلقها قال له: أمسك عليك زوجك فعاتبه الله تعالى وقال لم قلت أمسك عليك زوجك وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن الله تعالى أعلم أنه يبيدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال تعالى: {زوجناكها} فلو كان الذي أضمره رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه، ولا يظهره فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجته وإنما أخفى ذلك استحياء أن يخبر زيدًا أن التي تحتك وفي نكاحك ستكون زوجتي وهذا قول حسن مرضي، وكم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحي من اطلاع الناس عليه وهو في نفسه مباح متسع، وحلال مطلق لا مقال فيه ولا عيب عند الله وربما كان الدخول في ذلك المباح سلمًا إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين هو إنما جعل الله طلاق زيد لها، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها لإزالة حرمة التبني وإبطال سنته كما قال الله تعالى: {وما كان محمد أبا أحد من رجالكم} وقال: {لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم} فإن قلت فما الفائدة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم زيدًا بإمساكها.
قتل: هو أن الله تعالى أعلم نبيه أنها زوجته فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، عن طلاقها وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به فلما طلقها زيد خشي قول الناس يتزوج امرأة ابنه فأمره الله تعالى بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته، وقيل: كان في أمره بإمساكها قمعًا للشهوة وردًا للنفس عن هواها وهذا إذا جوزنا القول المتقدم الذي ذكره المفسرون وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها زيد، ومثل ذلك لا يقدح في حال الأنبياء، مع أن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الأشياء، وأنه رآها فجأة فاستحسنها ومثل هذه لا نكرة فيه لما طبع عليه البشر من استحسان الحسن، ونظرة الفجأة معفو عنها ما لم يقصد مأثمًا لأن الود وميل النفس من طبع البشر والله أعلم.
وقوله: {أمسك عليك زوجك واتق الله} أمر بالمعروف، وهو حسن لا إثم فيه وقوله: {والله أحق أن تخشاه} لم يرد به أنه لم يكن يخشى الله فيما سبق فإنه، قد قال أنا أخشاكم لله وأتقاكم له ولكنه لما ذكر الخشية من الناس، ذكر أن الله أحق بالخشية في عموم الأحوال في جميع الأشياء.
قوله: {فلما قضى زيد منها وطرًا} أي حاجته منها، ولم يبق له فيها أرب وتقاصرت همته عنها وطابت عنها نفسه وطلقها، وانقضت عدتها وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجته المتبني تحل بعد الدخول بها {زوجناكها} قال أنس: كانت زينب تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سموات، وقال الشعبي: كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إني لأدل عليك بثلاث ما من امرأة من نسائك تدل بهن جدي وجدك واحد وإني أنكحنيك الله في السماء وإن السفير جبريل عليه السلام.
م عن أنس قال لما انقضت عدة زينب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لزيد: «اذهب فاذكرها على» قال فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها لأن رسول الله ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت يا زينب أرسل رسول الله يذكرك قالت ما أنا بصانعة شيئًا حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها بغير إذن قال: فلقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حتى امتد النهار فخرج الناس، وبقي أناس يتحدثون في البيت بعد الطعام فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعته فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك قال: فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أم غيري قال فانطلق حتى دخل البيت، وذهبت لأدخل معه فألقى الستر بيني وبينهم ونزل الحجاب ق عن أنس قال ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه، ما أولم على زينب أولم بشاة وفي رواية أكثر وأفضل، ما أولم على زينب قال ثابت: بم أولم قال أطعمهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه.
قوله: {لكيلا يكون على المؤمنين حرج} أي إثم {في إزواج أدعيائهم} جمع الدعي وهو المتبني {إذا قضوا منهن وطرًا} يقول: يقول زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي كنت تبنيته، ليعلم أن زوجة المتبنى حلال للمتبني وإن كان قد دخل بها المتبني بخلاف امرأة ابن الصلب فإنها لا تحل للأب {وكان أمر الله مفعولًا} أي قضاء الله ماضيًا وحكمه نافذًا وقد قضى في زينب أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه سلم.
قوله تعالى: {ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له} أي فيما أحل الله له من النكاح، وغيره {سنة الله في الذين خلوا من قبل} معناه سن الله سنة في الأنبياء، وهو أن لا حرج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح، وغيره فإنه كان لهم الحرائر والسراري فقد كان لداود عليه السلام مائة امرأة، ولسليمان ثلثمائة امرأة وسبعمائة سرية فكذلك سن لمحمد صلى الله عليه وسلم التوسعة عليه كما سن لهم ووسع عليهم {وكان أمر الله قدرًا مقدورًا} يعني قضاء مقضيًا أن لا حرج على أحد فيما أحل له ثم أثنى الله على الأنبياء بقوله: {الذين يبلغون رسالات الله} يعني فرائض الله وسننه وأوامره ونواهيه إلى من أرسلوا إليهم {ويخشونه} يعني يخافونه {ولا يخشون أحدًا إلا الله} يعني لا يخافون قالت: الناس ولائمتهم فيما أحل لهم وفرض عليهم {وكفى بالله حسيبًا} أي حافظًا لأعمال خلقه ومحاسبهم.
قوله: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب قال: الناس إن محمدًا تزوج امرأة ابنه فأنزل الله: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} يعني زيد بن حارثة والمعنى أنه لم يكن أبا رجل منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح.
فإن قلت: قد كان له أبناء القاسم والطيب والطاهر وإبراهيم وقال الحسن: إن ابني هذا سيد.
قلت: قد أخرجوا من حكم النفي بقوله من رجالكم وهؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال وقيل: أراد بالرجال الذي لم يلدهم {ولكن رسول الله} أي إن كل رسول هو أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه {وخاتم النبيين} ختم الله به النبوة فلا نبوة بعده أي ولا معه قال ابن عباس: يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابنًا ويكون بعده نبيًا وعنه قال: إن الله لما حكم أن لا نبي بعده، لم يعطه ولدًا ذكرًا يصير رجلًا {وكان الله بكل شيء عليمًا} أي دخل في علمه أنه لا نبي بعده.
فإن قلت: قد صح أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان بعده وهو نبي قلت إن عيسى عليه السلام ممن نبيء قبله وحين ينزل في آخر الزمان ينزل عاملًا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ومصليًا إلى قبلته كأنه بعض أمته ق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بنيانًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون ويتعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين».